الاخبار
 

                                                                                                                   

الرئيسية                 إتصل بنا    English

 

              
 

 

13/ تحقيقات/ الدمج .. جسر عبور لأطفال التوحد      

 

  عمّان 8 تشرين الأول (بترا) - هبة رمضان- في غرفة صفية تضج بالضحكات واللعب، كان طفل يراقب زملاءه من بعيد، تتزاحم في عينيه الرغبة والتردد، يريد أن يشارك لكنه يستصعب الخطوة الأولى، يكتفي بالصمت ومراقبة أقرانه من مكانه وكأن بينه وبين الآخرين حاجزا غير مرئي.
لكن الحاجز لم يصمد طويلا حين لاحظت معلمته ذاك التردد فاقتربت منه بابتسامة دافئة تشجعه على لمس لعبة كان يراقبها من بعيد، فالمسألة لم تكن مجرد كسر حاجز بين طفل ولعبة، بل بداية عبور إلى عالم جديد يفتح أبوابه لطفل كان وحيدا مع ذاته، وتأكيد على أن الدمج هو جسر هذا العبور لأطفال التوحد، وطريق للنمو والتطور وبناء الثقة بالنفس.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) رصدت عددا من القصص لأطفال التوحد إحداها قصة الطفل عصام الذي بدأ رحلته من قسم اضطراب طيف التوحد في مركز البنيات للتربية الخاصة، وبفضل الدعم والإيمان بقدراته، بدأ يكتسب مهارات جديدة تجلت بمشاركته الفاعلة مع أصدقائه، وتمكن من خلال المراقبة والتوجيه التربوي والمساعدة من الانتقال إلى قسم المدرسة داخل المركز، قبل أن يواصل مشواره في مدرسة خارجية، حاملاً معه ذكريات الفخر والإنجاز، ليصبح مثالاً على أن الإيمان بقدرات طفل التوحد يشكل جسر العبور لصناعة أجمل قصص النجاح.
وبحسب البروتوكولات الوطنية لتشخيص الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية واضطراب طيف التوحد، التي أطلقها المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالتعاون مع وزارة الصحة عام 2022، يُصنَّف أطفال التوحد ضمن شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو ما يضع على عاتق المجتمع مسؤولية توفير بيئات تعليمية دامجة تتيح لهم فرصة المشاركة الكاملة.
مديرة مركز البنيات للتربية الخاصة بهية مسك أكدت أن أطفال التوحد قادرون على العطاء والدمج في المجتمع حين تتوفر لهم البيئة التعليمية الداعمة، موضحة أن المركز يعمل على تعزيز مهارات الأطفال السلوكية والتواصلية عبر برامج فردية وأنشطة جماعية، الأمر الذي يفتح أمامهم أبواب المشاركة الفاعلة.
وأضافت إن قصص النجاح التي يشهدها المركز يومياً تؤكد أن التوحد ليس عائقاً أمام تحقيق الإنجاز، بل بالإمكان اكتشاف قدرات استثنائية لدى الأطفال وتفجيرها في سلوكاتهم.
والدة أحد الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد تؤكد هي الأخرى أهمية الدمج في تطوير مهارات طفلها، قائلة:"منذ أن سجّلت ابني في مركز متخصص، لاحظت تغيراً واضحاً في سلوكه وتفاعله مع الآخرين، وبدا رويدا رويدا أكثر قدرة على التعبير عن نفسه، وأكثر اندماجاً مع محيطه.
وأوضحت أن الدمج بالنسبة لطفلها كان نقطة تحول، مؤكدة أن الدعم المبكر والرعاية المتخصصة قادران على إحداث فرق حقيقي في حياة الطفل وأسـرته.
وأشارت الى أن عدداً من الأطفال الذين كانوا يتلقون التدريب إلى جانب طفلها، تمكنوا بعد فترة من الانتقال إلى مدارس دامجة، موضحة أن تجاوز الوصمة الاجتماعية وتشجيع الأسر على تسجيل أبنائها في المراكز المتخصصة يشكلان خطوة أساسية نحو تمكين الأطفال وتحقيق تطورهم ونموهم المتكامل.
ويقول أستاذ التربية الخاصة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الجابري، إن التدخلات التربوية المبكرة ذات فاعلية عالية في تطوير مهارات طفل التوحد وتحقيق استقلاليته، مشيراً إلى أن الأسرة تتحمل دوراً مركزياً في عملية الدعم والتأهيل، من خلال التعلم المستمر والاطلاع على المستجدات العلمية، والمشاركة الفاعلة مع المعلمين، وتوفير بيئة منزلية قائمة على الاحتواء والحب.
وبيّن أن رحلة الأهل مع التوحد قد ترافقها مشاعر الخوف والقلق، لكنها قد تتحول إلى دافع للاستمرار إذا أحسنوا التكيف معها، معتبراً أن التوحد لا يعني نهاية الحياة، بل بداية لمرحلة جديدة قائمة على الصبر والإيمان والأمل والعمل المنظم.
ودعا الجابري المجتمع إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي والمادي للأسر، وتعزيز وعي الجميع بأن أطفال التوحد قادرون على التواصل إذا توافرت لهم الفرص، مؤكداً أن العلم والعمل المشترك بين الأسرة والمجتمع هما السبيل لصناعة واقع أفضل.
بدوره، قال رئيس الجمعية الأردنية لاضطراب طيف التوحد ومؤسس "مبادرة سامر طيف الحب" موفق الزامل، إن الجمعية تسعى من خلال مبادرتها إلى تمكين أطفال التوحد وفتح أبواب الأمل أمامهم عبر مجموعة واسعة من الأنشطة الفنية والمجتمعية، تشمل تعليم الرسم والتصوير والعروض المسرحية والكرنفالات، إلى جانب الفيديوهات التوعوية التي تسهم في تغيير النظرة النمطية وتعزيز وعي المجتمع.
وأضاف إن الجمعية تعمل كذلك على تنظيم تجمعات دورية للأهالي لتبادل الخبرات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وعقد ورشات تدريبية متخصصة للمعلمين والكوادر الصحية لرفع كفاءتهم في التعامل مع أطفال التوحد، مشيراً إلى أن المبادرات التي تنفذ داخل المدارس والجامعات تهدف إلى تعزيز الدمج التعليمي والاجتماعي وإشراك الطلبة في دعم أقرانهم.
وأكد الزامل أن جميع هذه الأنشطة تنطلق من رسالة واضحة تتمثل ببناء جسور بين أطفال التوحد والمجتمع، وتحقيق الدمج المجتمعي القائم على التقبل والتفاعل الإيجابي، وصولاً إلى بيئة دامجة تُشعر الأطفال بالأمان وتمنحهم الثقة بالنفس والقدرة على النمو والتطور.
يشار إلى أن التوحد ليس نهاية، بل بداية رحلة مختلفة، تؤكد أن الدعم والتأهيل قادران على اكساب أطفال التوحد المهارات اللازمة للتواصل والتعبير، وأن الدمج ليس خياراً تربوياً فحسب، بل حق وواجب مجتمعي يتيح للأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد الانخراط والتفاعل مع مجتمعاتهم المحيطة.
--(بترا)
ه ر/اح/أ م/ب ط

08/10/2025 10:01:32

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 



 

 

 

 

 
 

جميع الحقوق محفوظة لوكالة الأنباء الأردنية © 2025