42/ تحقيقات/ مشروع "سدو".. رؤى طموحة لإحياء التراث البدوي بروح العصر |
عمان 29 تشرين الأول (بترا) بشرى نيروخ- منذ آلاف السنين ظهر فن "السدو" من بين أصابع النسوة في المجتمعات البدوية لإنتاج مشغولات تتميز بجمالها ودقة صنعها تلبية لاحتياجات الأسرة من البسط والستائر والوسائد ليعكس التراث الثقافي للبدو، حيث كانت كل قطعة تحمل رموزًا ومعاني تحكي حياة الناس وطبيعتهم. بواسطة آلة تقليدية تُعرف بالنول تفننت النساء بإنتاج الخيوط من صوف الغنم والإبل لنسيج السدو بنقوشه المعقدة وألوانه الزاهية وبتصاميم هندسية وأشكال طبيعية تعكس القيم الاجتماعية والتقاليد العائلية، وتعزز الهوية الثقافية، لكنه كان إضافة الى هذا كله مصدر دخل للعديد من الحرفيين، ويُساهم في دعم الاقتصاد المحلي. في السنوات الأخيرة، بدأ التركيز على الحفاظ على فن السدو وتعليمه للأجيال الجديدة من خلال ورش عمل ومراكز ثقافية لإحياء هذا الفن التراثي وتعليم تقنياته، وتنظيم معارض وفعاليات ترويجية لعرض الأعمال الفنية، ومن عمق التراث استلهم المهندس عبدالله قطاوي مشروع "سدو" بروح العصر مازجا نقوش السدو التقليدية بالاحتياجات المعاصرة، وليقدم تصاميم جذابة من "حقائب سدو" عصرية مستوحاة من التراث البدوي العريق. يقول قطاوي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن مشروعه يصنف في مجال إحياء التراث بطرق مبتكرة تحت شعار: "من عبق البادية إلى أناقة الحاضر". يسعى المشروع الى إثراء السوق السياحي والمحافظة على التراث والهوية الوطنية، في محاولة لتقديم المنتج التراثي بقالب معاصر وهادف، مُظهرًا قدرة الإرث الأردني بقيمته وجماليته الفريدة على التكيف والازدهار حيث تبرز نقوش السدو رموزاً تمثل الثقافة البدوية وحياة الصحراء، مع الحرص على أن تكون التصاميم عملية وجذابة لإنسان العصر الذي غاص في التكنولوجيا الرقمية وربطه بماضيه وتراثه العريق وتعزيز الهوية الوطنية. يشير قطاوي الى الإقبال مشجع على هذا المنتج التراثي ما يدفع لتطوير موديلات جديدة باستمرار، لافتا الى أن النساء يعتبرن الشريحة الأكبر اهتماماً بهذا المنتج، خصوصاً أن التصاميم الحالية تركز عليهن، بالإضافة إلى الشباب الباحثين عن هدايا مميزة وفريدة. وأوضح أن هناك اهتماماً ملحوظاً من السياح والمغتربين الذين يجدون في "عصرنة التراث" تمثيلاً فريداً للثقافة العربية، إذ يسعى المشروع لإحياء التراث البدوي مع تحقيق توازن بين الأصالة والحداثة، وتعزيز الهوية الوطنية ورفع الوعي بالتراث الثقافي بين الأجيال القادمة، بالإضافة إلى خطط مستقبلية وإطلاق متجر إلكتروني دولي، بجانب تنظيم ورش عمل وفعاليات ثقافية. وأشار إلى أن السيدات يشكلن الأغلبية من القوة العاملة بالمشروع في مشروع سدو تأكيداً على أهمية دور المرأة في المجتمع الأردني، مشددا على أن المشروع يهتم بالاستدامة، ويستخدم مواد طبيعية، ويعيد استخدام المواد الزائدة، ما يعزز الحفاظ على البيئة بجانب المحافظة على التراث الثقافي. الباحثة في الإنثروبولوجيا هند سليمان تقول إن ابن البادية كان على تماس مع بيئته حيث اهتدى اهتدى إلى تسخير أصواف الماعز والأغنام والجمال وأوبارها وتحويلها الى خيوط وتلوينها حسب ما يتطلب المنتج، مشيرة الى الرجال في فصل الصيف كانوا يجزون صوف الأغنام ويسلمونه للنساء ليستكملن مراحل الصنعة بمغازل بسيطة يحولنه إلى خيوط ويصبغنها بالألوان الطبيعية، وأغلبها الأحمر والأسود والأخضر والأصفر التي يتم استخراجها من الحناء والكركم، والزعفران، والصبار، إضافة إلى قشور الرمان، ومن ثم نسجها لصناعة البسط والستائر والوسائد بتصاميم وحبكات زخرفية جميلة ومبدعة. لم تكن المرأة البدوية تمتلك أدوات للقياس وإنما كانت تستخدم وحدات قياسها الخاصة بها، إذ تقوم بلف الخيط على محيط رأسها لاستحداث وحدة لطول الخيط، فإذا أرادته مضاعفا في طوله لفته حول رأسها مرتين وتزيد في عدد اللفات حول رأسها للزيادة في طوله بما يلائم طول البساط المراد نسجه، وحين كانت تبدأ النسج كانت تمد الخيوط أمام بيت الشعر. وأشارت الى أن نساء البادية والصحراء صنعن بهذه الطريقة كافة احتياجاتهن واحتياجات أسرهن من بيوت الشعر التي والملابس والأثاث كالأغطية والسجاد والمفارش والبسط والوسائد، كما زينوا الجمال والخيول وزخرفوا أسرجتها بأشكال وألوان جميلة. خبير الابتكار والتفكير الإبداعي أسامة بدندي، أكد أن الابتكار هو المحرك الرئيس لدفع عجلة التنمية المستدامة في أي مجتمع، وهو الأساس لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي المتكامل، مشيرا الى أن الابتكار يُسهم في الاستغلال الأمثل للموارد بطريقة كفؤة، ما يُعزز الرفاهية وجودة الحياة. ويشير بدندي في كتابه "النظر للمألوف بطريقة غير مألوفة"، إلى أن الابتكار لا ينشأ من فراغ، بل من إعادة توظيف الموارد بطرق خلاقة. وقال: إن مشروع "سدو" الذي استلهمه المهندس عبدالله قطاوي من التراث البدوي، مثال حي على كيفية الدمج بين الأصالة والحداثة، ليكون وسيلة فعالة في الحفاظ على الهوية الثقافية وتحقيق التنمية الاقتصادية، مؤكدا أن تحفيز الشباب وتمكينهم من الابتكار يُعد استثمارًا استراتيجيًا يعزز تنافسية الاقتصاد والتنمية المستدامة. الخبير الاقتصادي الدكتور قاسم الحموري شدد على أهمية الإبداع والابتكار كأدوات فعالة لمواجهة البطالة، داعيا إلى تشجيع المبادرات الفردية التي يسعى من خلالها الشباب إلى تحسين مستوى دخلهم. الحموري أوضح أن هناك نماذج ناجحة إحداها مشروع استخدام قماش السدو لصنع حقائب يدوية مميزة تُعتبر تذكارات سياحية وتلبي احتياجات المستهلك المحلي، مبينا أهمية دعم مثل هذه المشاريع من خلال الشراء والتسويق والترويج لها، داعيا الى توثيق مثل هذه القصص وعرضها في الجامعات لتعزيز روح الريادة لدى الطلبة. --(بترا) ب ن/ اح
29/10/2024 14:53:49
|